باب سر
تاريخ النشر:
٢٠١٣
تصنيف الكتاب:
الناشر:
عدد الصفحات:
٣٥٨ صفحة
الصّيغة:
٥٠٠
شراء
نبذة عن الكتاب
كان النوم قد هبط بسلامه في نهاية موجة الجنون التي اجتاحت الشوارع، لم يعد يسمع إلا نباحا مجهدا للكلاب يأتي من وراء البيوت، وبين حين وآخر، كلما عبثت القطط بالنفايات التي تفرش الأرض، يهتف أحد حراس بوابات الحارات: وحد الله. أو يصيح واحد من شرطة الدرك مناديا بالتركية: من هناك؟
ليس ممكنا السير إلى أي مكان إذا كنت لا تحمل قنديلا أو شعلة. من يفعل ذلك، سوف يطلق أي من هؤلاء الحراس النار عليه، قبل أن يصل إليهم.
لقد تبقت ساعة على أذان الفجر، وسليم الأرنؤوطي يتحرك في مكانه ليجري الدماء في ساقيه، بينما يتأسى على ضياع شاله الكشمير الأحمر الذي كان يدفئه في ليال كهذه، ويتمنى لو كان معه بعض العرقي، مستغربا كيف نسيه طوال اليومين الماضيين. ومع ذلك فكم كان سكرانا بين سكرانين!
منذ بضعة ساعات داهمه النوم وهو يستريح بجوار أحد الدكاكين عندما لم تعد ساقاه قادرتين على حمله، حتى صحا قبل قليل على الجسم اللدن للعرسة التي سقطت فوقه من أعلى الحائط، وجد أن عليه أن ينتظر حتى تتلون السماء قليلا ويستطيع أن يرى راحة يده، فيذهب إلى بيت الفواحش أو بيت السلوى كما يحب أن يسميه، معولا على كرم أنيسة، المرأة الحبشية الجميلة التي يعتبرها في قرارة نفسه خليلته، وإن لم يبح لها أو لأي مخلوق بذلك. سوف يجعلها تأمر الخادمة بغسل ملابسه المجلدة بقشور الدماء، وسوف لا تبخل عليه بطست ماء ينظف به نفسه، وبعض الطعام. وبعد نومة مشبعة سيصحو ناسيا كل شيء.
كان مهدود البدن من شدة إرهاق الليالي التي طواها ساهرا، عظامه محطمة من كثرة الصعود والنزول من البيوت، والذهاب والإياب في الشوارع والدروب والعطف، رأسه متصدع من كثرة الصياح والنداء، ومن سماع الآهات والاستعطافات. منهكا من جموح الشياطين، ومن حصار الأحداق الميتة، واللحظات الثقيلة الفاصلة بين القاتل والمقتول، البطيئة مهما كان انخطافها.
وعند مدخل البيت ضايقه أن ترى النساء خرجه الممتلئ بما خف وزنه وغلا ثمنه، الذي جمعه من بيوت المماليك والألفيين، وود لو أمكنه التظاهر بأنه لم يشارك الآخرين في النهب. فليس من الصواب أن يكون العسكري المغازي الذي يخوض الغزوات، لصا للبيوت. إلا أنه لم يستطع أن يقف كالأبله متفرجا على الذين يكوشون على كل شىء، فيضيع فرصته، وفي الغد يكون الوحيد الفقير بينهم.
قد تزعجه المرأة بالسؤال الذي تسأله في مثل هذه الأحوال إن كان قد آذى أحدا، وعندئذ سيسكتها بنظرة قاسية من عينيه، رغم إنها تعرف جميع ما يفعله مهما أخفاه كأنما ينكشف عنها الحجاب. وساقه تفكيره إلى الشابة التعسة التي عثر عليها بالأمس في اسطبل أبيها، مختبئة خلف جوال تبن، وملتفة على نفسها ككرة من لحم تلتصق بالحائط، هاذية لنفسها بخلط من الكلمات، وشعرها الغزير الذي يخفي وجهها وظهرها ممتلئ بالقش والأشواك. والآن فقط، بينما يصعد السلم تملكه الندم على ما فعله بها. فقد باغتها بهجومه، أسقط الجوال وطرحها فوقه في لمحة بصر، لكنها انتفضت بيقظة من ينتظر الهجوم، وقفزت كالملتاثة تعض وتركل وتدحرجه معها من جدار إلى جدار، ليجد نفسه في مواجهة العينين المفتوحتين لشقيقها المقتول وراء مسقى الأحصنة. وكم كان ثقيلا على قلبه أن يفعلها في ذاك المكان،حتى بعدما نزع عمامته وغطى بها وجه القتيل.
ليس ممكنا السير إلى أي مكان إذا كنت لا تحمل قنديلا أو شعلة. من يفعل ذلك، سوف يطلق أي من هؤلاء الحراس النار عليه، قبل أن يصل إليهم.
لقد تبقت ساعة على أذان الفجر، وسليم الأرنؤوطي يتحرك في مكانه ليجري الدماء في ساقيه، بينما يتأسى على ضياع شاله الكشمير الأحمر الذي كان يدفئه في ليال كهذه، ويتمنى لو كان معه بعض العرقي، مستغربا كيف نسيه طوال اليومين الماضيين. ومع ذلك فكم كان سكرانا بين سكرانين!
منذ بضعة ساعات داهمه النوم وهو يستريح بجوار أحد الدكاكين عندما لم تعد ساقاه قادرتين على حمله، حتى صحا قبل قليل على الجسم اللدن للعرسة التي سقطت فوقه من أعلى الحائط، وجد أن عليه أن ينتظر حتى تتلون السماء قليلا ويستطيع أن يرى راحة يده، فيذهب إلى بيت الفواحش أو بيت السلوى كما يحب أن يسميه، معولا على كرم أنيسة، المرأة الحبشية الجميلة التي يعتبرها في قرارة نفسه خليلته، وإن لم يبح لها أو لأي مخلوق بذلك. سوف يجعلها تأمر الخادمة بغسل ملابسه المجلدة بقشور الدماء، وسوف لا تبخل عليه بطست ماء ينظف به نفسه، وبعض الطعام. وبعد نومة مشبعة سيصحو ناسيا كل شيء.
كان مهدود البدن من شدة إرهاق الليالي التي طواها ساهرا، عظامه محطمة من كثرة الصعود والنزول من البيوت، والذهاب والإياب في الشوارع والدروب والعطف، رأسه متصدع من كثرة الصياح والنداء، ومن سماع الآهات والاستعطافات. منهكا من جموح الشياطين، ومن حصار الأحداق الميتة، واللحظات الثقيلة الفاصلة بين القاتل والمقتول، البطيئة مهما كان انخطافها.
وعند مدخل البيت ضايقه أن ترى النساء خرجه الممتلئ بما خف وزنه وغلا ثمنه، الذي جمعه من بيوت المماليك والألفيين، وود لو أمكنه التظاهر بأنه لم يشارك الآخرين في النهب. فليس من الصواب أن يكون العسكري المغازي الذي يخوض الغزوات، لصا للبيوت. إلا أنه لم يستطع أن يقف كالأبله متفرجا على الذين يكوشون على كل شىء، فيضيع فرصته، وفي الغد يكون الوحيد الفقير بينهم.
قد تزعجه المرأة بالسؤال الذي تسأله في مثل هذه الأحوال إن كان قد آذى أحدا، وعندئذ سيسكتها بنظرة قاسية من عينيه، رغم إنها تعرف جميع ما يفعله مهما أخفاه كأنما ينكشف عنها الحجاب. وساقه تفكيره إلى الشابة التعسة التي عثر عليها بالأمس في اسطبل أبيها، مختبئة خلف جوال تبن، وملتفة على نفسها ككرة من لحم تلتصق بالحائط، هاذية لنفسها بخلط من الكلمات، وشعرها الغزير الذي يخفي وجهها وظهرها ممتلئ بالقش والأشواك. والآن فقط، بينما يصعد السلم تملكه الندم على ما فعله بها. فقد باغتها بهجومه، أسقط الجوال وطرحها فوقه في لمحة بصر، لكنها انتفضت بيقظة من ينتظر الهجوم، وقفزت كالملتاثة تعض وتركل وتدحرجه معها من جدار إلى جدار، ليجد نفسه في مواجهة العينين المفتوحتين لشقيقها المقتول وراء مسقى الأحصنة. وكم كان ثقيلا على قلبه أن يفعلها في ذاك المكان،حتى بعدما نزع عمامته وغطى بها وجه القتيل.
إضافة تعليق
لم يتم العثور على نتائج