إحسان عبد القدوس

حينما كانت الأنامل الصغيرة تعانق أريج الصفحات. لم يكن يلُوح بخاطرى، وأنا فى ذاك الأوان من غر الصبى، أن تلك الأنامل يُمكن أن تُطوق المكان الذى خط بين جنباته سطور مقالاته وكتاباته، وأن العيون التى تفتحت منذ نعومة أظافرها على أفكاره وآرائه، يتسنى لها أن تصافح الجدران التى شهدت ميلاد إبداعات فارس مملكة الرومانسية والخيال، ولم يخطر بذهنى أن الفؤاد الذى حلق بعيدا مع قصصه ورواياته، وحلم وتمرد مع بطلاته، وقاسمهن الدموع والحيرة والنشوة والألم، يستطيع أن يدنو من عوالم صاحب القلم الذى رتّل أعذب الكلمات فوق أوتار الخيال، وتفجرت من بين سطوره الملهمة أفكار وقيم ومشاعر، تخطت حواجز الوجدان وأضاءت زوايا الروح، واجتازت الألباب الموصدة، لتمنح حياتنا سطوعا، لكن علاقة الزمالة والصداقة التى ربطتنى بالكاتب الصحفى محمد عبد القدوس، وزوجته السيدة عفاف الغزالى، كانت جواز المرور إلى مملكته الأثيرة، ومسوغات حصولى على تأشيرة اجتياز أبواب «المحراب» الذى كان مُحرّما دخوله، إلا بأمر ملكى من الباب العالى، فلم يكن مسموحا بدخول هذه الغرفة، إلا بناء على أوامر «الأستاذ» وموافقته الشخصية؛ لذا بادله هذا المكان الأثير حبا بعشق وهيام، وصار مقر القيادة العامة لأفكاره وآرائه السياسية والاجتماعية، ومستقر وحى الإلهام والإبداع، وموطن خلوته الليلية مع بنات أفكاره.