الخروج من الصندوق

بحلولِ المساءِ تهدئُ الأصواتُ، ليسدل النومُ أستارهُ على الإقليم، حتى يشق نورُ الفجرِ ظلمةِ الليلِ فتوقظُ أشعةُ الشمسِ الخفيفةُ أجفان السكان. كانت أيامًا عاديةً، لا شيء يتغير فيها عن الروتين المعتاد، لكن التغيير المفاجئ سنةُ الحياةِ التي لا تتوقف، فقد حلت كارثةٌ دون سابق إنذار، خلعت الأشجار من جذورها وطحنت المنازل بل والجثث، بين صفائح الأرضِ المتصارعة، قتلت من قتلت، وشردت البقية، حتى إنك لا تزالُ ترى الجثث متراميةً على مد البصر، كانت صرخاتُ الثكالى والأراملِ مسموعةً، كلٌ يبحثُ عن فقيده، عن ما تبقى من الأحبةِ عسى ألّا يكون الموتُ قد أبقى على أحدٍ وأجهز على البقية، فالحياةُ وحيدًا بعد أن ذهب الجميعُ ضحيةَ أمرٍ ما، أشبه بموتٍ مقنن، تكون فيه حبيس جسدك، غير أن روحك قد سُلبت. أصدرت الحكوماتُ بعد الكارثة التي هزت أراضي ذلك الإقليم المشترك بين دولتين، قرارًا بنقلِ سكانِ الإقليمِ إلى منطقةٍ سميت قريةَ الصناديق، لم يكن وصفًا مجحفًا، فكلُ أسرةٍ هنا لها صندوقٌ خشبيٌ، يرتفعُ عن الأرضِ ما لا يزيدُ عن مترين، أما مساحتهُ فلم تزد على الثلاثةِ مترات، أيًا كان عددُ أفراد الأسرة، لتتحول الصناديقُ تلك إلى بيوتِ عائلاتٍ، يشغلُ كل فردٍ فيها بضع سنتيمترات، كأنهم بعضُ السردينِ متكدسٌ في علبةٍ معدنية، غير أن الخشب لم يكن ليقيهم المطر، حيث كانت القطراتُ تتسربُ شتاءً لتبللهم، أما الصيفُ فكان أفضل بعض الشيء، لكن في كل الأحوال ما كان الخشبُ ليتحمل الكثير