ليثيوم
قصص من عالم الاضطراب الوجداني
تاريخ النشر:
٢٠١٨
تصنيف الكتاب:
الناشر:
عدد الصفحات:
١١٩ صفحة
الصّيغة:
٤٠٠
شراء
نبذة عن الكتاب
حدث منذ عشرة أعوام أن كنتُ شاهدا على تغيّرٍ مفاجئ في حياة إحدى الصديقات. لاحظتُ ابتعادها، ثمّ انعزالها التام، فاختفاءها أسابيع طوال؛ ليصبح التواصل معها مستحيلا بشتّى الوسائل. هكذا إذن ودون أي مقدّمات لم تعد موجودة في حياة الكثيرين. لم أفهم السبب، بالرغم من أنهم قالوا آنذاك إنه "اكتئابٌ حادّ". لم يكن الاكتئاب في مفهومي الخاصّ سوى "مزاج سيّئ" قابل للسيطرة، فيما لو كان الشخص قويا ومتماسكاً. انتظرتُها قليلاً، ثمّ مضيتُ دونما التفات إلى الوراء. ابتعدتُ، وغرقتُ في صخب الحياة مجدّداً. علمتُ لاحقا أنها تعاني ممّا يُعرف ب "الاضطراب الوجداني ثنائي القطب" أو "Bi Polar Disorder”، وأذكر أنني أيضا لم أكترث، فكان هذا الأخير مبهما تماماً، بالنسبة لي، ولم أعرف إن كان هناك أساسا ما قد يبرّر اختفاءها الطويل الذي بدا، وكأنه لا يتعدّى ال"مزاجية" واللامبالاة.
مضت أعوام طوال حتّى اصطدمتُ بهذا المرض مجدّدا وجها لوجه، وبمحض الصدفة. وكان اللقاء الأخير هذا كافيا حتّى أغوص في أعماق هذا العالم المثير للاهتمام. بحذرٍ، بدأتُ أربط الخيوط بعضها البعض، وأكتشفُ خفايا هذا الاضطراب وتفاصيله، بكثيرٍ من الاهتمام. علمتُ حينها أن للمرض وجها آخر معاكسا تماما للاكتئاب الذي عرفتُه سابقاً. وهكذا أصبح الاسم: "ثنائي القطب" أكثر منطقية، بالنسبة لي.
تُقابل الأمراض النفسية بالتهميش الذي يصل في الكثير من الدول حدّ الإهمال الذي يُسقط عنها صفة المرض. فيما يذوق الكثير من المرضى النفسيين - في عالم جاهلٍ بحالتهم - أشدّ أنواع الألم؛ ابتداء بعزلهم في ظروف لا إنسانية، ومرورا بضربهم بصورة مبرحة؛ ليصل سوء المعاملة حدّ الإعدام في حالاتٍ محدّدة. ولهذا يعاني الكثير من المرضى حتّى اللحظة عزلة اجتماعيةً، تكرّسها المفاهيم المغلوطة، والنظرة الدونية التي يُقابلون بها؛ ليجد بعضهم نفسه فريسة سهلة للمشعوذين والجهلة. وبالرغم من أن التمييز بين مرض النّفس ومرض الجسد ما يزال موضوعا إشكاليا مطروحا للنقاش على اتّساع العالم - ولا يخصّ منطقتنا وحدها – لكن؛ لا يمكن إنكار المستوى المتقدّم الذي وصل إليه الغرب في التعاطي مع هكذا نوع من الأمراض. الأمر لا يتوقّف عند حدّ الأبحاث الجامعية، والدراسات العلمية المستمرّة، والكُتُب، والمقالات، والمواقع الطّبّيّة الكثيرة والمتنوّعة فحسب، بل يمتدّ وصولا لأن يتحدّث فيه المرضى عن أنفسهم على الملأ، وأمام الملايين من خلال كُتُبٍ ومدوّنات إلكترونية، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مُتحدّين بذلك كلّ القيود الاجتماعية، وآملين بإزالة "هالة الجهل" التي تحيط بحالتهم. عندها، يستطيع العالم أن يراهم - مهندسين وأطبّاء وإداريين وعمّالا وطلابا - يتحدّثون عن جوانب مختلفة من أمراضهم، بحزنٍ وأسى أحياناً، وبسخرية لافتة في أحيانٍ أخرى. تراهم يقدّمون النصائح لمن يحتاجها، كاسرين بذلك "تابو" الحديث عن الأمراض النفسية، باعتبارها وصمة عارٍ. هذا التواصل الذي يشمل عددا ضخما من المرضى، مع عشرات الآلاف من الداعمين والباحثين والمهتمّين، جعلني أشفق علينا، على مرضانا الذين يخجلون حتّى من الحديث إلى عائلاتهم؛ ليقودهم الطريق المرسوم من قبل المجتمع إلى رجال الدين أو سبل أخرى، قد يلجأ إليها المريض، علّها تنسيه غرابة حالته المبهمة والمخيفة، كالمخدّرات وإدمان الكحول.
مضت أعوام طوال حتّى اصطدمتُ بهذا المرض مجدّدا وجها لوجه، وبمحض الصدفة. وكان اللقاء الأخير هذا كافيا حتّى أغوص في أعماق هذا العالم المثير للاهتمام. بحذرٍ، بدأتُ أربط الخيوط بعضها البعض، وأكتشفُ خفايا هذا الاضطراب وتفاصيله، بكثيرٍ من الاهتمام. علمتُ حينها أن للمرض وجها آخر معاكسا تماما للاكتئاب الذي عرفتُه سابقاً. وهكذا أصبح الاسم: "ثنائي القطب" أكثر منطقية، بالنسبة لي.
تُقابل الأمراض النفسية بالتهميش الذي يصل في الكثير من الدول حدّ الإهمال الذي يُسقط عنها صفة المرض. فيما يذوق الكثير من المرضى النفسيين - في عالم جاهلٍ بحالتهم - أشدّ أنواع الألم؛ ابتداء بعزلهم في ظروف لا إنسانية، ومرورا بضربهم بصورة مبرحة؛ ليصل سوء المعاملة حدّ الإعدام في حالاتٍ محدّدة. ولهذا يعاني الكثير من المرضى حتّى اللحظة عزلة اجتماعيةً، تكرّسها المفاهيم المغلوطة، والنظرة الدونية التي يُقابلون بها؛ ليجد بعضهم نفسه فريسة سهلة للمشعوذين والجهلة. وبالرغم من أن التمييز بين مرض النّفس ومرض الجسد ما يزال موضوعا إشكاليا مطروحا للنقاش على اتّساع العالم - ولا يخصّ منطقتنا وحدها – لكن؛ لا يمكن إنكار المستوى المتقدّم الذي وصل إليه الغرب في التعاطي مع هكذا نوع من الأمراض. الأمر لا يتوقّف عند حدّ الأبحاث الجامعية، والدراسات العلمية المستمرّة، والكُتُب، والمقالات، والمواقع الطّبّيّة الكثيرة والمتنوّعة فحسب، بل يمتدّ وصولا لأن يتحدّث فيه المرضى عن أنفسهم على الملأ، وأمام الملايين من خلال كُتُبٍ ومدوّنات إلكترونية، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مُتحدّين بذلك كلّ القيود الاجتماعية، وآملين بإزالة "هالة الجهل" التي تحيط بحالتهم. عندها، يستطيع العالم أن يراهم - مهندسين وأطبّاء وإداريين وعمّالا وطلابا - يتحدّثون عن جوانب مختلفة من أمراضهم، بحزنٍ وأسى أحياناً، وبسخرية لافتة في أحيانٍ أخرى. تراهم يقدّمون النصائح لمن يحتاجها، كاسرين بذلك "تابو" الحديث عن الأمراض النفسية، باعتبارها وصمة عارٍ. هذا التواصل الذي يشمل عددا ضخما من المرضى، مع عشرات الآلاف من الداعمين والباحثين والمهتمّين، جعلني أشفق علينا، على مرضانا الذين يخجلون حتّى من الحديث إلى عائلاتهم؛ ليقودهم الطريق المرسوم من قبل المجتمع إلى رجال الدين أو سبل أخرى، قد يلجأ إليها المريض، علّها تنسيه غرابة حالته المبهمة والمخيفة، كالمخدّرات وإدمان الكحول.
إضافة تعليق
لم يتم العثور على نتائج