الاستشراق

الاستشراق

إدوارد سعيد صورة قلمية منحازة

المؤلّف:
تاريخ النشر:
٢٠١٧
عدد الصفحات:
٣٩٧ صفحة
الصّيغة:
٨٠٠
شراء

نبذة عن الكتاب

حتى وقت قريب، لم تكن تبدو دراسة شعوب وحضارات الشرق، من قبل الغربيين، وكأنها بحاجة لمن يدافع عنها أو يثني عليها، وذلك لأنها كانت تعدّ من أكثر فروع العلم مسالمة ووداعة. كان المستشرق يعد باحثاً، اختار بمحض إرادته أن يركز همه العلمي على أحد قطاعات المعرفة الأبعد عنه من حيث المكان والزمان. لقد اختار هذا القطاع المليء بالعراقيل والعقبات "اللغة الوعرة والكتابات المتعذرة على الفهم"، ثم الأديان والفلسفات والآداب الأكثر بعدا عن الخط الرئيس للتراث الكلاسيكي والغربي "الخط اليوناني والروماني". هذا هو مفهوم الاستشراق الذي ساد القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
لقد كان الاستشراق أولا أحد الجوانب المتفرعة عن عصر التنوير والرومانطيقية، ثم عن الوضعية والمادية والتاريخية الأوروبية. وإذا ما أردنا أن نكتب تاريخه الكامل، فإن ذلك يتطلب منا أن نعيد كتابة كل تطور ثقافة الغرب، على تلك الأرضية التي زرعت فيها خارج نطاق الغرب وفيما وراء الغرب. وقد حمّل بذلك تلك الأرض الأجنبية رؤيته الخاصة للحضارة والتاريخ، للسياسة والدين، للمجتمع والشعر. وشهد الاستشراق، بالإضافة إلى هذا التطور الداخلي المرتبط بتطور الفكر التاريخي والفلسفي والديني للغرب، تطورا خارجيا ناتجا عن نموه الخاص بالذات، وقد عدّ في البداية علما واحدا متكاملاً، ثم سرعان ما انقسم إلى فروع وتخصصات مستقلة بعضها عن بعض، ومتعلقة بمختلف الحضارات الخاصة بالشرق الأفريقي – الآسيوي.
وهكذا شهدنا ظهور الاستشراق الصيني والهندي "أي الخاص بالهند والصين" والدراسات الإيرانية والتركية والعالم السامي والإسلاميات والدراسات المصرية القديمة ودراسة أفريقيا، وبقية التجمعات المناسبة أو المتعلقة بتقسيمات محددة تماما من النواحي اللغوية والتاريخية والعرقية للحضارات.
ركز الاستشراق على العديد من الجوانب، ومن بينها التاريخ العربي وتراثه العلمي الثرّ، وقد اندفع عدد غير قليل من هؤلاء المستشرقين الأوائل والمتأخرين، سواء كانوا مؤرخين أم كتابا بدوافع دينية وسياسية وعنصرية، إلى التخصص والكتابة والبحث في مواضيع معينة دون غيرها من التراث الحضاري العربي، مثل التخصص في الكتابة عن المبادئ الإسلامية أو الفقه الإسلامي أو الفرق والمذاهب الإسلامية وحياة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أو القرآن الكريم. لقد شغلت مثل هذه الموضوعات اهتمامات المستشرقين في كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا وأمريكا منذ نهاية القرن الثامن عشر الميلادي فصاعداً، لما لها من علاقة سياسية وثيقة بحركة التوسع والاستعمار الأوروبي، فالكتابات الاستشراقية عن المنطقة العربية، وما قدمته من معلومات تاريخية واجتماعية ودينية، لها أهمية كبيرة، لأنها ألقت أضواء على المسائل الدقيقة المفيدة من وجهة نظرهم.
ومما لا شك فيه أن التراث الذي خلفه المستشرقون تراث ضخم، يُعدُّ بمئات المصنفات تأليفا وترجمة وشروحا وغير ذلك، كما أن هذا التراث فيه الغث والسمين، فيه العلم الرصين والتحقيق الدقيق، وفيه التصحيف والخطأ، والجهل والسطحية، كما أن فيه ما هو إنصاف للإسلام وتاريخه وشريعته، وفيه ما هو دس وطعن وتحريف للإسلام وتاريخه وشريعته.
ولعل مرجع هذا المزيج المتناقض عند المستشرقين يعود إلى أن قدرتهم وإمكاناتهم في فهم العربية ودلالات ألفاظها ليس متساويا ولا متكافئاً، هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر فإن أهداف المستشرقين ليست واحدة، بل هي متعددة مختلفة، كما أشرنا. ومما لا شك فيه أن اختلاف قدراتهم وتباين أهدافهم، أدى إلى إنتاجية تتناسب مع هذه القدرات والأهداف. وهذا ما يجعل الحكم على المستشرقين صعباً، كالحكم على إنتاجهم؛ فمنهم الحصيف الدقيق، ومنهم حاطب ليل لا يدري أين يضع الكلمة، ومنهم المتجرد الباحث عن الحقيقة المنصف، بل منهم من أدى به إنصافه إلى إعلان إسلامه – كما أشار الأستاذ نجيب العقيقي في كتابه "المستشرقون"- أمثال: بوكهارت، وكرنكوف، وزونستين، وشنيشر، ودينه، وفلوري، وميشو بللير، ومار مادروك، وفليني، ويوبولفايس، وجرمانس، وارز ولايان، وخديجة دلتك، وليورس، وجميلة زوسترنج، وآلبرت كادلر، وغيرهم كثير.
كما أن فيهم المغرض المتعصب الحاقد، الذي يروم الطعن، ويتقصد التشويه، ويتبع ما يمكن أن ينال به الإسلام أو نبيه العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم).
إن هذا المحور الذي يتناول الموضوع من جوانب عديدة، له الأهمية الكبيرة لإلقاء الضوء على جانب من المعرفة، وعسى أن نبلغ الغاية.
إن هذه الدراسات التي نضعها بين يدي القارئ، هي جهد عدد من الباحثين قمنا بتكليفهم بالكتابة عن هذا الموضوع الحيوي، فضلا عن أننا جمعنا بعض الدراسات الحديثة باللغات الأجنبية وكلفنا عددا من المترجمين لترجمتها، وفي النهاية قمنا بتحريرها، فنشرنا بعضها في مجلة المأمون في عددها الرابع عام 2013.
لم يتم العثور على نتائج