مشاهدة من واقع النفق
تاريخ النشر:
٢٠١٥
تصنيف الكتاب:
الناشر:
عدد الصفحات:
١٢٤ صفحة
الصّيغة:
٣٠٠
شراء
نبذة عن الكتاب
لماذا تجذبه تلك الموسيقى ولماذا كل هذا الوهن تجاهها حتى أنه لا يقدر على مقاومة عزفها الشجي، فما من مرة عُزف لحنها وضج صوتها إلا وأتى متلهفًا راجيًا مني مرافقته للانغماس في حلقاتها.
استرقت النظر إليه وهو يحد الخطى، يشع في عينيه بريق فتان للنظر. أحس هو ذلك فراح يزيل غشاوة دهشتي ليخبرني بأن الحاج أبو طه دعاه لمشاركته في فرح ابنه محروس. أبدى ممدوح تعجبه فكيف لا أفهمه مع مرور تلك العشرة الطويلة ونعومة أظفارنا تشهد بأن عودينا ترعرعا يقوي بعضه البعض.
حبي لممدوح أثار دهشة أقاربي، فهل ضاقت الدنيا أم جفت خصوبة النساء حتى أني لا أجد أحدا سواه لأصادقه؟!، وهل يعقل أن أصاحب شخصا مهنة والده نزح المراحيض وتقليم أظلاف الحمير وينتمي لقبيلة الحلب التي عادة لا تحظى باحترام الناس فمعظم المنتسبين لها يعملون بأعمال وضيعة مثل جس البهائم وتزيين رءوس الناس وبيع حصر العدبان وشيلان الكاشمير.
أكثر شيء كان يحز في نفس ممدوح معايرة أنداده له في الدراسة لدناءة نسبه. فكل واحد منهم يفتخر بعلو أصله ورفعة نسبه حتى أنهم كانوا يقولون له عد أجدادك، فبالتأكيد ستتوقف عند الجد الرابع بخلافنا نحن نعد لك إلى ما يقارب الجد الخامس عشر ونحصي أفراد عائلتنا التي تتجاوز الآلاف.
كنت أقول له الق كل هذه التفاهات وراء ظهرك، فالله خلق الناس أسوياء كأسنان المشط، ولا شيء يزكيهم عن بعضهم سوى تقواهم. ضاق صدر ممدوح من جراء ذلك؛ فانزوى بنفسه عنهم بيد أنهم نبذوه وانطووا عنه و الشيء الذي كان يغضبه هو أن الواقع خلاف ذلك والحقيقة نقيض ما يعتقدونه وأنه لو صح ما يقولون ما كان له أن يغضب أبدًا منهم. فجده الرابع -على حسب ما رواه له والده- كان من أعيان مركز البداري بمديرية أسيوط ينتسب لعائلة تمتلك مئات الأفدنة، في لحظة تهور انفعل فقتل شخصا شتمه فخاف أن يؤخذ فيه الثأر. كان في ذلك الحين موكلا من قبل والده العمدة بالإشراف على عمال التراحيل القادمين من العركي والعاملين في جني محصول القطن في أراضيهم، فكان دائمًا ما يجلس بجوارهم يأنس بمودتهم ويصغي لحكاويهم وأغانيهم ونكاتهم، فآثر أن يختبئ بينهم ويحتمي بهم لا سيما أنهم اكتنفوه بفيض من المشاعر فاطمأنت روحه لهم.
استرقت النظر إليه وهو يحد الخطى، يشع في عينيه بريق فتان للنظر. أحس هو ذلك فراح يزيل غشاوة دهشتي ليخبرني بأن الحاج أبو طه دعاه لمشاركته في فرح ابنه محروس. أبدى ممدوح تعجبه فكيف لا أفهمه مع مرور تلك العشرة الطويلة ونعومة أظفارنا تشهد بأن عودينا ترعرعا يقوي بعضه البعض.
حبي لممدوح أثار دهشة أقاربي، فهل ضاقت الدنيا أم جفت خصوبة النساء حتى أني لا أجد أحدا سواه لأصادقه؟!، وهل يعقل أن أصاحب شخصا مهنة والده نزح المراحيض وتقليم أظلاف الحمير وينتمي لقبيلة الحلب التي عادة لا تحظى باحترام الناس فمعظم المنتسبين لها يعملون بأعمال وضيعة مثل جس البهائم وتزيين رءوس الناس وبيع حصر العدبان وشيلان الكاشمير.
أكثر شيء كان يحز في نفس ممدوح معايرة أنداده له في الدراسة لدناءة نسبه. فكل واحد منهم يفتخر بعلو أصله ورفعة نسبه حتى أنهم كانوا يقولون له عد أجدادك، فبالتأكيد ستتوقف عند الجد الرابع بخلافنا نحن نعد لك إلى ما يقارب الجد الخامس عشر ونحصي أفراد عائلتنا التي تتجاوز الآلاف.
كنت أقول له الق كل هذه التفاهات وراء ظهرك، فالله خلق الناس أسوياء كأسنان المشط، ولا شيء يزكيهم عن بعضهم سوى تقواهم. ضاق صدر ممدوح من جراء ذلك؛ فانزوى بنفسه عنهم بيد أنهم نبذوه وانطووا عنه و الشيء الذي كان يغضبه هو أن الواقع خلاف ذلك والحقيقة نقيض ما يعتقدونه وأنه لو صح ما يقولون ما كان له أن يغضب أبدًا منهم. فجده الرابع -على حسب ما رواه له والده- كان من أعيان مركز البداري بمديرية أسيوط ينتسب لعائلة تمتلك مئات الأفدنة، في لحظة تهور انفعل فقتل شخصا شتمه فخاف أن يؤخذ فيه الثأر. كان في ذلك الحين موكلا من قبل والده العمدة بالإشراف على عمال التراحيل القادمين من العركي والعاملين في جني محصول القطن في أراضيهم، فكان دائمًا ما يجلس بجوارهم يأنس بمودتهم ويصغي لحكاويهم وأغانيهم ونكاتهم، فآثر أن يختبئ بينهم ويحتمي بهم لا سيما أنهم اكتنفوه بفيض من المشاعر فاطمأنت روحه لهم.
إضافة تعليق
لم يتم العثور على نتائج