ربع أنف ونصف أذن

ربع أنف ونصف أذن

المؤلّف:
تاريخ النشر:
٢٠٢٣
تصنيف الكتاب:
عدد الصفحات:
١١٤ صفحة
الصّيغة:
٢٥٠
شراء

نبذة عن الكتاب

قصة فردة حذاء*
الحرارة المرتفعة تلفح الوجوه في شهر أغسطس حتي بعد فرار شمس النهار، وعودتها لمستقرها ، لهيبها لا ينطفيء، يتحول إلى رطوبة، الوخم والضجر كانا حليفي الحاضرين في ذلك المكان، المشهد كان مريعا ومثيرا للسخرية، قطارا بائس يتأخر يوميا ما يقارب النصف ساعة ،عندما يصل لا تجد به منفذا إلا لعبور الهواء.
“منصور “، كان أشدهم ضجرا، رجل سمين ، لا يتحمل ذلك الجو والزحام ،خيوط العرق علي خديه تتجمع لتصنع نهيرا صغيرا، ينحدر نحو عنقه ،أمسك بمنديله القطني الذي ما زال يقتنيه ،مسح القطرات الغزيزة بحدة ،كاد يمزق جلده الملتهب ثم دسه في جيبه، وهو ينهج.
جاء القطار يتهادى كحسناء فارعة الطول ، الأدمغة تخرج من النوافذ ،الأجساد تتدلي من الأبواب، اندس بين الحشود فلم يجد مقدار شبر ،فأجسام البشر تخفي الفراغات ،حاول حشر نفسه، بصعوبة دلف للداخل ،لكن فردة حذائه اليمني سقطت ، لا يعلم هل بداخل العربة أم خارجها ؟ صرخ مستنجدا:
– سقطت فردة حذائي.
استطرد فزعا : أريد المساعدة.
تجاهله من سمعه، أما الباقي، “فكل يغني على ليلاه”.
انطلق القطار بسرعة جنونية، محدثا ضجة ودوارا للركاب ، الأجساد تترنح ، تلتصق ببعضها البعض ، ما تبقي من زجاج النوافذ يهتز ، يحدث صوتا شنيعا تكز له الأسنان.
رائحة العرق النفاذة تخترق الأنوف ،في تلك الأثناء حاول أن يقتنص نظرات خاطفة لزرقة السماء، ونجومها المضيئة، عسي أن تخفف عنه ضنك الرحلة طويلة الأمد ، لكنه لم يفلح.
حجب الرؤية استدارة بطن سيدة في منتصف العمر، تستند علي ، ولا يوجد من يرحمها ، ويدعها تجلس بدلا منه.
زاد عناء الطريق مع وجود فردين ملاصقين له، رجل وسيدة، أنفاسهما تتقاطع مع بعضهما البعض ، محدثة نشازا عجيبا ، رائحة فم الرجل تدل علي تدخين شره للنارجيلة ، أسنانه شديدة الاصفرار ،يحيط بها الجير ، يخرج مع كل نفس من أنفاسه رائحة تبعث في النفس الغثيان، أما السيدة فبطنها يصدر قرقرة، كأنها لم تتناول الطعام منذ قرن من الزمن.
فاتته محطة النزول ، فهو مجبر علي التكملة لآخر محطة ، بحثا عن حذائه المفقود.
بعد مضي دقائق مضت كسنوات ضوئية توقف القطار ،في أخر محطة نزل جميع الركاب باستثناء منصور، أنكب علي وجهه يبحث أسفل المقاعد ، سقطت محتويات حقيبته السوداء المصنوعة من الجلد الصناعي ، لملم ما سقط في ما يقارب الخمس عشرة دقيقة ،فجأة سمع صوت نسائي يقول بنعومة:
من فضلك!
رفع نظره ، فوجد فتاة بيضاء رشيقة ،تنظر إليه بخجل. ” لها بقية”.
لم يتم العثور على نتائج