تجربة جنوب افريقيا

تجربة جنوب افريقيا

نيلسون مانديلا والمصالحة الوطنية

تاريخ النشر:
٢٠٢٣
عدد الصفحات:
١٤٢ صفحة
الصّيغة:
٨٠٠
شراء

نبذة عن الكتاب

"عند الحديث عن التجربة الديمقراطية في دولة جنوب افريقيا يثور في الذهن تساؤلات عديدة حول مدى نجاح هذه التجربة وكيفية التحول الكبير من الإستعمار الى الاستقلال، فعقب عقود من التفرقة العنصرية وما سبقها من الحقبة الاستعمارية نجحت جوهانسبرج في قطع مشوار طويل، لتجد لنفسها أخيرا مكانا مناسبا على متن قاطرة التقدم البشرى ولتقف على رأس دول القارة السمراء اقتصاديا. ولا أدل على احساس العالم ومؤسساته المالية بالطفرة الاقتصادية التي حققتها جنوب افريقيا من مطالبة صندوق النقد الدولي لها ولغيرها من الأقطار ذات الاقتصاديات الواعدة بزيادة حجم إسهاماتهم المالية في الصندوق لمواجهة التحديات الاقتصادية وتفادى تكرار الأزمة المالية العالمية، وهو ما يدل على نجاحها في إعادة ترسيم دورها وتحديد موقعها على خريطة العالم الاقتصادية. وقد انعكس هذا التقدم الإقتصادى فى شكل تحول وتطور ونهضة فى جميع المجالات، وارتفاع في احتياطي النقد الأجنبي، وانخفاض في معدلات البطالة، وزيادة كبيرة في ميزان التبادل التجاري، وتقدم فى مجال العدالة الاجتماعية والحياة الديمقراطية، التى يعكر صفوها هذه الأيام بعض المشاكل الآنية لعمال المناجم.
وبعد ثلاثين سنة من الصراع المسلح 1960-1990 الذي قاده حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ضد نظام التمييز العنصري "الأبارتايد" دخلت البلاد مرحلة انتقال ديمقراطي سنة 1990 وذلك بعد وصول زعيم الأقلية البيضاء دو كليرك إلى السلطة؛ حيث رفع دو كليرك الحظر عن نشاط حزب المؤتمر الوطني وأطلق سراح زعيمه نيلسون مانديلا بعد 27 سنة من السجن.
وقد أعد دو كليرك ومانديلا مخططًا انتقاليًا، ورُفعت العقوبات الدولية عن جنوب إفريقيا، وتم تبني دستور انتقالي سنة 1993 ثم نُظّمت انتخابات متعددة الأعراق سنة 1994 فاز بها المؤتمر الوطني الإفريقي وانتُخب مانديلا رئيسا لجنوب إفريقيا.
وخلال عام 1993 كانت قضية العفو عن مرتكبي الجرائم الخطيرة خلال الفترة الماضية من أهم نقاط المفاوضات حول الانتقال الديمقراطي، وقد توصل الطرفان إلى تسوية ترى أن العفو يمكن أن يتم بالنسبة للأعمال الإجرامية التي تمت بهدف سياسي وكان لها علاقة بنزاعات الماضي. وبعد نقاش واسع من المجتمع المدني ومؤتمرين دوليين عُقدا حول سياسات العدالة الانتقالية في الدول الأخرى للاستفادة من تجاربها صادق برلمان جنوب إفريقيا منتصف 1995 على قانون دعم الوحدة الوطنية والمصالحة الذي أسس للجنة الحقيقة والمصالحة، وقد عيّن الرئيس نيلسون مانديلا أعضاء تلك اللجنة والبالغ عددهم 17 عضوًا في ديسمبر 1995 واُختير القس ديزموند توتو رئيسًا لها. وقد بدأت أعمالها في إبريل/نيسان سنة 1996 وأنهت أشغالها بتقديم تقريرها في أكتوبر/تشرين الأول 1998.
ولم يكن النهوض الاقتصادي الذي وصلت إليه جنوب إفريقيا مجرد مصادفة أو وليد لحظة بل حصاد سنوات ونتاج تخطيط سليم وبناء قويم بدأ بعمل دؤوب في اتجاهات مختلفة تصب جميعا في تحقيق معدلات نمو ثابتة ومستهدفة وقد كان. وقد ساعدت على هذا النمو خلال النصف الثاني من القرن الماضي والذى بلغ ذروته في العقد الأول من الألفية الثالثة عوامل عدة، أبرزها تشجيع الدولة للاستثمارات المحلية والأجنبية وتوفير القروض اللازمة للتنمية الصناعية، وغناء البلاد بالثروات الطبيعية ووجود أيد عاملة إفريقية رخيصة، ثم إنتاج المحاصيل وتربية الحيوان والتعدين الذي ساعد على جعل جنوب إفريقيا أكبر دولة صناعية في القارة، ناهيك عن ارتفاع سقف الصادرات إلى مستويات غير مسبوقة، ليجعل من جنوب أفريقيا أحد البلدان القلائل التي انضمت إلى فئة الشريحة الأعلى من البلدان المتوسطة الدخل، حيث يعتبر اقتصادها أكبر من مثيله في ماليزيا.
ولا أدل على صلابة الاقتصاد الجنوب الإفريقي من تأكيد تقرير لصندوق النقد الدولي على أنه في الوقت الذي عانت فيه أمريكا وأوروبا وآسيا باسثناء الهند والصين، اقتصاديا فإن اقتصاد جوهانسبرج وقف قويا دون أن يتأثر بالأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم عام 2008 أو تصيبه بالترهل، ليحقق نموا بلغ معدلة 4.8% في العام الجاري.
إذن نحن اما تجربة تنموية رائعة في بلد كان بالامس القريب يرزح تحت طائلة الاستعمار واليوم نجد جنوب افريقيا احد الدول الناهضة والمتقدمة في كافة المجالات وهو أمر يجعلنا نبحث عن بواعث التحول وأسبابه وكيف استطاعت الدولة المتعثرة أن تنهض من كبوتها وكيف نجح هذا الرجل العجوز نيلسون مانديلا في قيادة الدولة من التخلف بمعناه الاقتصادي والسياسي الى تحقيق تنمية حقيقية في شتى المجالات. انها تجربة تستحق بالفعل ان نخوض في غمارها ونكتشف آليات التحول عسى ان نجد فيها ما يدفع او على الاقل ما يجذب على الاحتذاء والسير على الدرب الصحيح.
لم يتم العثور على نتائج