كتابات هيكل بين المصداقية والموضوعية

عرفتُ الأستاذ "هيكل" مثل ملايين القراء منذ فترة دراستي، ثم كانت الصُّحبة، إذ صحبتُه - عبر كتاباته - أكثر من ستّ سنوات كاملة، من خلال رسالة الماجستير عنها، أطعمُ كتاباته وأشربُها، تُحاورُني وأُحاورها، تحدّثني عن تاريخ مصر وأسألها عن تاريخها وتطوُّرها، تنطلقُ مُعتزّة بصيتها وقُدرتها، وأسعى وراءها محاولًا ترويضها بمحددات الموضوعية وكواشف المصداقية، وأرصد زينتها اللغوية وحُليّها اللفظي ما بدا منها وما خفي. كانت رحلة طويلة مُضنية جدًّا، طوّفت خلالها في جميع ما كتبهُ الأستاذ "هيكل" وجلّ ما كتب عنه، ووصلت إلى الأرشيفات الخاصة بمتابعيه، وعقدتُ مقابلات مع بعض المقربين منه، وحاولتُ لقاءه مرارًا فحال بيننا مشاغلُه وأسفاري وكان من الراحلين - رحمه الله - وأكملتُ الرحلة من بعدها عامًا ونصف العام، فكان تمام ستة أعوام ونصف في تلك الرحلة العلمية التي أبحرت فيها وأبحر فيها معي أساتذتي، حتى إذا بلغت منتهاها وصلت مرفأ الرضا، وكان الكتاب على حد وصفهم من أشمل وأجود الدراسات في العشر سنوات الأخيرة في مجالها عامة، ومن أشمل وأدقّ ما كُتب عن كتابات الأستاذ "هيكل" مُطلقًا. لذلك أرجو أن تحُوز تلك الفصول من الكتاب من رضاك (عزيزي القارئ) ما حازتهُ من رضاهم، وأن تنال عندك من المراتب العُلا ما نالتهُ على أيديهم، وأن تُثير عندك من النّقاش الداخليّ ما أثارتهُ من الجدل الصحفيّ والإعلاميّ. وأسألُ الله أن تكون رحلتُك مع هذا الكتاب مفيدة، وأن يكون ما تُنفقُهُ فيه - من وقتٍ ومالٍ - تجارة ذهنية وفكرية رابحة